إشراقة
أمورٌ
إذا أَخَذَ
بها الداعية
حَقَّقَ النجاح
الدعوةُ إلى الله – تعالى – مهمةٌ شريفة مُشَرِّفَة وعبادةٌ جليلة وردت فضائلُها في أحاديث عديدة وأشاد بها الله – جلّ وعلا – إذ قال: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَولاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله» (فُصِّلَت/33). وأمر بالقيام بها قائلاً: «اُدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِيْ هِيَ أَحْسَنُط إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْـمُهْتَدِينَ» (النحل/125).
والدعوة
بالحكمة،
معناها: أن
تكون في ضوء
ما أنزل الله
من الكتاب
والسنة كما
قال ابن جرير. والموعظة
الحسنة أن
تكون الدعوة
بما في كتاب
الله من
الزواجر
والوقائع
يُذَكِّر بها
الداعية
الناسَ؛
ليحذروا بأسَ
الله –
تعالى –.
والمجادلة
بالتي هي
أحسن، معناها
أنه من يحتاج
من الناس إلى
مناظرة
وجدال؛ فليكن
بالوجه الحسن،
برفق ولين
وحسن خطاب.
واللين
والرفق أجدى
وأقوى
الأسباب التي
أمر الله
الداعية
بالتقيد بها
حتى في أصعب
المواقف وأحرج
المناسبات؛
فقد أمر
بالرفق
واللين موسى
وهارون –
عليهما وعلى
نبينا الصلاة
والسلام –
حين بعثهما
إلى فرعون
الذي زعم أنه
الربّ الأعلى،
فقال:
«فَقُولَا
لَهُ قَوْلاً
لَّيِّنًا
لَّعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ
أَوْ يَخْشَىٰ»
(طه/44) قال ابن
كثير –
رحمه الله –
(الحافظ عماد
الدين أبي
الفداء
إسماعيل بن كثير
القرشي
الدمشقي
المتوفى 774هـ):
«هذه الآية فيها
عبرة عظيمة،
وهو أن فرعون
في غاية
العُتُوّ
والاستكبار،
وموسى صفوة
الله من خلقه
إذ ذاك، ومع
هذا أُمِرَ
ألاّ يخاطب
فرعونَ إلاّ بالملاطفة
واللين، كما
قال يزيد
الرقاشي عند
قوله: «فَقُولاَ
لَهُ قَوْلاً
لَّيِّنًا»:
«يا من يتحبّب
إلى من
يعاديه؛ فكيف
بمن يتولاّه
ويناديه».
«والحاصل –
ولايزال
الكلام لابن
كثير –
من أقوالهم –
العلماء –
أن دعوتهما –
موسى وهارون – له –
فرعون –
تكون بكلام
رقيق لَيِّن
قريب سهل؛
ليكون أوقع في
النفوس وأبلغ
وأنجع».
وقال
تعالى آمرًا
بالدعـوة
إليـه:
«وَادْعُ إِلىٰ
رَبِّكَ»
(القصص/87) وقال:
«وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ
أُمَّةٌ
يَدْعُونَ
إِلَى
الْخَيْرِ»
(آل عمران/84).
وقد
أمر النبيّ -
صلى الله عليه
وسلم -
بالدعوة إلى
الله بقوله:
«بَلِّغُوا
عنّي ولو آية»
(البخاري:3461).
وقال -
صلى الله عليه
وسلم - لعلي –
رضي الله عنه –
يوم خيبر:
«فوالله لأن
يهدي الله بك
رجلاً واحدًا
خير لك من
حُمْرِ
النَّعَم»
(البخاري:2942؛ ومسلم
6376) والنَّعَمُ:
الإبل،
والحمر منها
أَنْفَسُ
أموال العرب.
وعن
أبي مسعود
عُقْبَةَ بنِ
عمرو
الأنصاري
البدري –
رضي الله عنه –
قال: قال رسول
الله -صلى
الله عليه
وسلم-: «من دلّ
على خير فله
مثل أجر
فاعله» (مسلم:1893).
وقد
يُظَنّ أن
نجاح الداعية
مرهون بحسن
حديثه وجمال
كلماته،
وعذوبة
عباراته،
وطلاقة لسانه.
ولا شكّ أن
ذلك من مُقَوِّمَات
نجاح
الداعية؛
ولكنه ليس كل
شيء؛ بل الذي
يحتاج إليه
الداعية
لينجح في
مهمته نجاحًا
كاملاً هو
أمور أخرى
لابدّ أن
يلتزمها دائمًا.
منها
الإخلاص
وإحضار النية:
فلا
يحظى الداعية
بالتوفيق
وكسب النجاح
في وظيفته
الدعوية
ومهمته
التبليغية
إلاّ بإخلاص
العمل الدعوي
لله وتجريد
نيته لابتغاء
رضاه. فإن تجرد
من الإخلاص
وشابت نيتَه
الأغراض فقد
فقد المقوم
الأساسي
لنجاحه في
المهمة
الدعوية أولاً
وإحزاره
الفوز
الحقيقي
الأخروي
ثانيًا. قال
تعالى: «فمَنْ
زُحْزِحَ
عَنِ
النَّارِ وَأُدْخِلَ
الجَنَّةَ
فَقَدْ
فَازَ» (آل
عمران/185) ففي
الحديث
الصحيح الذي
رواه إماما
المحدّثين:
البخاري
ومسلم عن أمير
المؤمنين عمر
بن الخطاب –
رضي الله عنه –
قال: سمعتُ
رسول الله
-صلى الله
عليه وسلم-
يقول: إنما
الأعمال
بالنيّات،
وإنما لكل
امرئ ما نوى،
فمن كانت
هجرتُه إلى
الله ورسوله
فهجرتُه إلى
الله ورسوله،
ومن كانت
هجرته لدنيا
يصيبها، أو
امرأة ينكحها
فهجرتُه إلى
ما هاجر إليه»
(البخاري: 1؛
ومسلم:5036).
وعن
أبي هريرة عبد
الرحمن بن صخر
–
رضي الله عنه –
قال: قال رسول
الله -صلى
الله عليه
وسلم-: «إن الله
لاينظر إلى
أجسامكم ولا
إلى صوركم؛
ولكن ينظر إلى
قلوبكم
وأعمالكم»
(مسلم:2564).
وعن
أبي موسى عبد
الله بن قيس
الأشعري –
رضي الله عنه –
قال: سُئِلَ
رسول الله
-صلى الله
عليه وسلم- عن الرجل
يقاتل
شجاعةً،
ويقاتل
حميّةً،
ويقاتل
رياءً، أيُّ
ذلك في سبيل
الله؟ فقال
رسول الله
-صلى الله
عليه وسلم-:
«من قاتل
لتكون كلمة الله
هي العليا فهو
في سبيل الله»
(البخاري: 2810؛ ومسلم:5029).
وقال
تعالى: «وَمَآ
أُمِرُوا
إِلَّا
لِيَعْبُدُوا
اللهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ
حُنَفَآءَ»
(البينة/5). وقال:
«لَنْ
يَّنَالَ
اللهَ
لُحُومُها
وَلاَ دِمَآؤُهَا
وَلٰكِنْ
يَّنَالُهُ
التَّقْوَىٰ
مِنْكُمْ»
(الحج/37).
إن
كثيرًا من
الدعاة
يعتمدون فقط
على الوسائل
الدعوية
الحسيّة
ويعدّونها
وحدها مُقَوِّمَاتٍ
لنجاحهم في
وظيفة
الدعوة، ولا
يُعِيرُونَ
الاخلاص
والإنابة
واللجوء إلى
الله أيَّ
أهميّة، ولا
يُعْنَوْنَ
بذلك عنايتهم
بالحاسوب
والإنترنت
والأقراص
المدمجة
وإصدار الكتب
والرسائل في
موضوع
الدعوة، وتحضير
المحاضرات
والدروس،
والجولات
الدعوية،
والتنقلات
التبليغية،
ولايلتفت إلى
تدعيم صلته
بالله
والتضرع إليه
ودعائه إيّاه
أن يوفقه في
مهمته
الدعوية
ويُكَلِّلها
بالنجاح
ويجعلها
ذخرًا له في
الآخرة و
وسيلة لسعادته
في الدنيا
والآخرة.
ومنها
العمل أوّلاً
بما يدعو إليه
العمل
بما يدعو إليه
الداعية
وتطبيقه له في
حياته من أهمّ
عوامل نجاح
الداعية؛
لأنه لئن خالف
بعمله ما
يقوله للناس
بلسانه، فإنه
يكون قد هدم
الجسر الوحيد
الرئيس الذي
كان له ليعبره
إلى قلوب
المدعوين
والمخاطبين،
فلن يكون حظّه
إلاّ الفشل
والإخفاق.
مثلاً أمر الناس
بأداء الزكاة
وإقامة
الصلاة
والأمر بالمعروف
والنهي عن
المنكر والبر
بالوالدين، ثم
وجده الناس
لايعمل بأي من
ذلك في حياته،
بل يخالف في
شأن ذلك كله
فعلُه قولَه،
فلن يستجيب
أحد منهم
لدعوته
وإنّما
يُكَذِّبه
ويعارضه ويكرهه
وينفضّ من
حوله ولا
يُقْبِل عليه
أبدًا.
قال
تعالى على
لسان شعيب –
عليه وعلى
نبينا الصلاة
والسلام –:
«وَمَآ
أُرِيدُ أَنْ
أُخَالِفَكُمْ
إِلَى مَآ
أَنْهاكُمْ
عَنْهُ» (هود/88).
إن شعيبًا –
عليه السلام –
رسم منهجًا
حكيمًا
مُجْدِيًا
للغاية فيما يتعلق
بالقيام
بالدعوة إلى
الله وتبليغ
الرسالة
الإلهية
الناسَ؛
ولذلك سجّله
الله في كتابه
الخالد؛
ليكون
نبراسًا
لجميع الدعاة
إلى الحق مادامت
السماوات
والأرض، فكل
من يحيد عنه
فإنه سيكون
شاذًّا عن
المنهج
الإلهي،
لايجني من وراء
جهده الدعوي
إلاّ الخيبة
والخسران.
ولو
ألقينا نظرة
على الموقف
العامّ الذي
يقفه اليوم مُعْظَمُ
الدعاة الذين
يقولون ما لا
يفعلون، لتأكدنا
أن مخالفة
الفعل للقول
لديهم شَكَّلَتْ
ظاهرة خطيرة
ألحقت
أضرارًا
بالغة بالمهمة
الدعوية
وأَدَّتْ إلى
سوء الظنّ
بالعلماء
والدعاة
وأتاحت للناس
أن ينتقدوهم
بألسنة قارصة أشنع
الانتقاد.
وقد
وردت في
القرآن
الكريم آيات
تُعَبِّر عن مقت
الله عز وجل
لمن
يُحْسِنُون
القولَ ويُسيئون
الفعل، فقال
تعالى: «يٰأَيُّهَا
الَّذِيْنَ اٰمَنُوا
لِمَ
تَقُولُونَ
مَالاَ
تَفْعَلُون
كَبُرَ
مَقْتًا
عِنْدَ الله
أَنْ تَقُولُوا
مَالاَ
تَفْعَلُونَ»
(الصف/2-3).
وقال:
«أَتَأْمُرُونَ
النَّاسَ
بِالْبِرِّ
وتَنْسَوْنَ
أَنْفُسَكُمْ
وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ
الْكِتٰبَط
أَفَلاَ
تَعْقِلُون»
(البقرة/44).
في
الآية
وَبَّخَ الله
العلماء
اليهود الذين
كانوا يأمرون
الناس بالبرّ
ويدعونهم
إليه ويُعْرِضون
عن العمل به،
حتى كانوا
يقولون
لإخوانهم
اليهود: إن
هذا الدين الذي
جاء به محمد
-صلى الله
عليه وسلم-
حقٌّ فَاتَّبِعُوه؛
ولكنهم
بدورهم كانوا
لايتبعونه.
وما
يُسَجِّله
الله في
كتابه: القرآن
الكريم من
مواقف السوء
التي كان
يتبنّاها
العلماء اليهود،
إنما
يُسَجِّله
ليكون موعظة
وعبرة للعلماء
والدعاة في
أمة محمد -صلى
الله عليه وسلم-
وليحذروه ولا
يقتربوا منه،
فيكونوا موضع سخط
الله.
ومنها
اعتزال
الضالين
والفسقة
والمبتدعين
ومن
أهم ركائز
الدعوة إلى
الله أن يعتزل
الدعاةُ
مجالس الفسق
والضلال
والبدعة، فإن
الأنبياء –
عليهم وعلى
نبينا الصلاة
والسلام –
وهم أفضل
الدعاة
اعتزلوا
أقوامهم
الفسقة الضالين
والمبتدعين،
فأخذ الله
تعالى بأيديهم،
وأنجحهم في
مهمتهم
الدعوية،
وأسعدهم بالانتصار
الباهر على من
تَصَدَّوْا
لمعارضتهم
وزرعوا عوائق
لاتُزَال في
طريقهم، فقال
تعالى
مُسَجِّلاً
لموقف نبيه
الجليل سيدنا
إبراهيم –
عليه وعلى
نبينا الصلاة
والسلام –:
«فَلَمَّا
اعْتَزَلَهُمْ
وَمَا
يَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ
اللهلا
وَهَبْنَا
لَهُ إِسْحٰقَ
ويَعْقُوبَط
وكُلاًّ
جَعَلْنَا
نَبيًّا»
(مريم/49).
ومنها
التزوّد
بالعلوم
الشرعيّة
قد
لُوحِظَ في
عصرنا هذا أن
كثيرًا من
الأفراد –
والجماعات
كذلك –
ينهضون
للقيام
بالدعوة، وهم
لايعلمون
عنها شيئًا،
ولايُلِمُّون
بأيّ زاد من
العلوم الشرعيّة
والتعمق في
الكتاب
والسنة، وهو
الأمر الذي
يُشَكِّل
عمودًا
فقريًّا فيما
يتعلق بالقيام
بالدعوة.
كثيرٌ من
الدعاة
لايحملون فقهًا
دعويًّا ولا
وعيًا بعلوم
الكتاب
والسنة، ولا
رصيدًا من
علوم الدين
الذي نصبوا
أنفسهم دعاةً
إليه، فأساؤا
سمعة العمل الدعوي
المُشَرِّف،
وشَوَّهُوا
صورةَ الدعوة
إلى الله؛
لأنهم بدأوا
يقومون بها
دونما علم
يُكْسِبُهم
بصيرةً
ودونما فقه
ينير لهم الطريق،
فقالوا ما
لاينبغي لهم
أن يقولوا، وصنعوا
ما لا يصنعه
إلاّ الأخرق
الغِرّ،
وتخبّطوا خبط
عشواء. إن
الإتقان
والفقه
للعلوم
الشرعيّة هو
الأصل المتين
الذي يجب أن
ينطلق منه
الدعاة إلى
الله. يقول
الله تعالى
لرسوله
الأعظم ونبيه
الخاتم محمد
بن عبد الله
-صلى الله
عليه وسلم-:
«ما كُنْتَ
تَدْرِي ما
الْكِتٰبُ وَلاَ
الْإِيْمَانُ
ولٰكِنْ
جَعَلْنٰهُ
نُورًا
نَهْدِي بِهِ
مَنْ نَشَآءُ
مِنْ عِبَادِنَاط
وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي
إِلَىٰ
صِرَاطٍ
مُسْتَقِمٍ»
(الشورى/52).
ومنها
البدأ في أمر
الدعوة
بالأقربين
قد
يخطئ الداعية
فيعظ كلَّ
الناسِ، ولا
يهتم ببيته
وأسرته، ولا
يلتفت إلى
إزالة
المفاسد التي
تكون قد أخذت
بتلابيب أهله
والأقربين من
أقربائه.
فعندما يقوم
داعيًا بين
الناس
يُعَيِّرُونَه
بالمفاسد
التي يتورّط
فيها أهلُه
وأسرته،
وينتقدونه
بين أفراد
المجتمع
قائلين: إنه
ينصح الناس
بالخير ولا
يدرك أهله
وأعضاء أسرته
الذين تغمرهم
المفاسد
والمعايب إلى
الآذان. إن
الداعية يجب
عليه أن يبدأ
بنفسه
فينهاها عن
غيّها،
ويَتَدَرَّجَ
إلى الأقربين
منه من أعضاء
الأسرة
والجيران
فيصلح ما فسد
منهم، ثم
يَتَوَجَّه
إلى عامّة
الناس في
المساجد
والأسواق
والحفلات
والاجتماعات،
وإلى كل من
يجلس إليهم
ويحتكّ بهم ويتعارف
عليهم. وقد
قال الله
تعالى لنبيه
المصطفى
ورسوله
المرتضى محمد
بن عبد الله
-صلى الله عليه
وسلم-:
«وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ»
(الشعراء/214).
ومنهاتعميم
الدعوة لكل
الناس
وينبغي
أن يضع
الداعية في
الاعتبار
جميعَ الناس،
فلا يخصّ
بدعوته طبقة
دون طبقة،
فيُوَجِّه
الدعوة إلى
الصغار
والكبار،
والعرب
والعجم،
والشباب
والكهول
والشيوخ،
والرجال
والنساء،
والرجال
العاديين
والوجهاء،
ورجال الشارع
والأعيان.
فهناك دعاة يخصّون
بدعوتهم
الشباب فقط
ويغفلون عن
جميع الطبقات
زاعمين أن
الشباب هم
عدّة
المستقبل وعماد
المجتمع، فلو
صلحوا صلح
أفراد
المجتمع كلهم
على اختلاف
الأجناس
والأعمار
والأعراق.
وذلك خطأ فاحش
يجب أن ينتبه
له الدعاة حتى
يكسبوا من
النجاح ما
يتوخّونه من
وراء دعوتهم.
قال الله عزّ وجلّ:
«عَبَسَ
وَتَوَلَّىٰ
أَنْ جَآءَهُ
الْأَعْمَىٰ
وَمَا
يُدْرِيكَ
لَعَلَّهُ
يَزَّكَّىٰ»
(عبس/3).
ومنها
عدم المبالاة
بقلة أو كثرة
المستجيبين
للدعوة
قد
يبذل الداعية
قصارى ما في
مستطاعه من
الجهد،
ويُعْمِل
كلَّ حيلة،
ويسلك كلَّ
سبيل، ويُجْهِد
جسمه ونفسه
وفكره كلَّ
الإجهاد؛ ولكنه
لايكسب من
المتبعين له
إلاّ قليلاً،
فربّما يناله
اليأس والإحباط،
ويظنّ أن
جهوده قد ذهبت
سُدًى،
فليعلم كلّ
داعية أن
نجاحه في
دعوته إنما
يقاس بإخلاصه
ومدى
اجتهاده، ولا
يقاس بكثرة
المتبعين والأنصار
والمُلَبِّين
لدعوته.
فهذا
نوح –
عليه وعلى
نبينا الصلاة
والسلام –
قد لَبِثَ في
قومه ألف سنة
إلاّ خمسين
عامًا،
يدعوهم إلى
الله ليلاً
ونهارًا، فلم
يزدهم دعاؤه
إيّاهم إلاّ
فرارًا، فلم
يَسْتَجِبْ
لدعوته إلاّ قليل.
قال تعالى:
«وَمَآ اٰمَنَ
مَعَهُٓ
إِلاَّ
قَلِيلٌ»
(هود/40).
وفي
حديث رواه
الشيخان عن
ابن عباس –
رضي الله
عنهما –
قال: خرج
علينا النبي
-صلى الله
عليه وسلم-
يومًا، فقال:
«عُرِضَتْ
عَليَّ
الأُمَم،
فجعل يمرّ
النبيُّ معه
الرجل،
والنبيّ معه
الرجلان،
والنبي معه
الرهطُ،
والنبي ليس
معه أحد.
ورأيتُ سوادًا
كثيرًا سَدَّ
الأفقَ،
فرجوتُ أن
تكون أمتي،
فقيل: هذا
موسى وقومه،
ثم قيل لي:
اُنْظُرْ،
فرأيتُ
سوادًا
كثيرًا سَدَّ
الأفقَ، فقيل لي:
اُنْظُرْ
هكذا وهكذا،
فرأيتُ
سوادًا كثيرًا
سَدَّ
الأفقَ، فقيل:
هؤلاء أمّتك،
ومع هؤلاء
سبعون ألفًا
يدخلون الجنة
بغير حساب»
(البخاري:5752؛
مسلم:220).
ومنها
إعمال أساليب
متنوعة
للقيام
بالدعوة
قد
يظن الداعية
أن الدعوة
تنحصر أصلاً
في خطبة
تُلْقَىٰ في
حشد من الناس
أو محاضرة
تُقَدَّم في
حفلة أو كُتُب
ومُؤَلَّفَات
تُصْدَر لغرض
الدعوة
وتبليغ دين
الله، على حين
أن الدعوة
لاتنحصر في
هذه السبل
التقليدية،
فقد استحدثت
وسائل متنوعة
للدعوة من
الحاسوب
والإذاعة
والتلفاز
والانترنت و
وسائل
الاتصال
السريعة،
التي تعطي مفعولاً
قويًّا بعيد
المدى. كما أن
الداعية
يُتَاحَ له أن
يقوم بوظيفته
الدعوية بكل
من القول والفعل
والسلوك
والسيرة. وقد
تكون هذه
الوسيلة أبلغ
وأجدى وأنجع
من الوسائل
المذكورة
سابقًا. فقد
درج في السلف
من العلماء
الصالحين من
لم يكونوا
يُحْسِنُـون
الكتابـة
والخطابـة؛ ولكنهم
كانـوا قدوة
حسنـة مؤثـرة
للغايـة بجيمع
حـركاتهم
وسكناتهم
وسيرتهم
وسلوكهم، فكان
الناس
ينصهرون في
بوتقتهم
العملية، بعدما
يُجَرِّبُون
فيهم
الإنسانية
بأسمى معانيها
وأشمل
دلالاتها
وأدقّ
إشاراتها،
حتى كان
يُسْلِم على
يديهم آلاف من
المشركين
والكفار كلَّ
يوم، ويتوب في
مجالسهم
اليومية آلاف
من المسلمين
من ذنوبهم
وآثامهم،
ويَصْلُحُ
المجتمعُ البشري
الواسع
بسكوتهم ما لا
يَصْلُحُ
اليوم بكلام
من لا
يُحْصَوْنَ
من الدعاة
الذين يملكون
السحر الحلال
في كل من
الخطابة
والكتابة.
وقد
كان نبينا
-صلى الله
عليه وسلم-
أسوة حسنة
لجميع الدعاة
ليوم
القيامة، فقد
كتب الرسائل و
وَجَّهَها
إلى الملوك،
وأرسل الوفود
والسفراء،
وخطب ووعظ،
وأمر ونهي،
وحَثَّ وشَجَّعَ،
وضَيَّفَ وهو
وأهله
جائعون،
وتصدَّق بحيث
لم يَبِتْ
عنده درهم ولا
دينار، وألّف
القلوب، وجمع
الصفوف،
وألان القول
وشَدَّده لدى
الحاجة
القصوى، وعفا
وصفح،
وزَجَرَ و
وَبَّخَ لدى
الضرورة
الداعية
للزجر
والتوبيخ، و
عَمَّمَ
القول ولم
يُخَصِّص
الخطاب حتى
يجتنب جرح
المشاعر،
وبَشَّر وأمر
بذلك، ولم
يُنَفِّر
ونهي عن
التنفير،
واعتمد في
دعوته على
الرحمة
والشفقة
والعطف
واللطف ولين
المنطق وعذوبة
الحديث
واحترز
كليًّا من ضدّ
ذلك. وجملةُ
القول أن
حياته كلها
كانت دعوةً
دائمةً
دؤوبةً تجذب الأصدقاء
والأعداء في
وقت واحد.
ومنها
التواضع
والاعتراف
بالخطإ
ويجب
على الداعيه
أن يتواضع مع
المدعوين ويُخْضِع
لهم القول،
وأن يكون
سبَّاقًا إلى
الاعتذار إذا
بدر منه خطأ في
القول أو
الفعل، لأن
ذلك أدعى إلى
استجابة الناس
لدعـوتـه
والاستماع
لنصحــه.
ينبغي أن
يلاحظ
الداعيه أنـه
واحد من أعضاء
المجتمع،
وليس
متساميًا
عنـه، وأنـه
يأكل ويشـرب
ويُضْطَرّ
للقيام
بالحوائج
البشرية مثل
أفراد
المجتمع
الآخرين،
وأنه قد يصاب
بمثل الأمراض
التي تلحقهم،
ويتورّط في
القضايا
والمشكلات المُعَقَّدَة
التي قد
يتورّطون
فيها. إن إيهام
الداعية
الناسَ أنه
منهم ومثلهم
وأنه لايترفّع
عنهم بشيء
وإظهاره لهم
أنه أقلّ منهم
شأنًا
ومكانًا،
أقوى الوسائل
لخطب الودّ
وكسب القلوب
وامتلاك
العقول.
(تحريرًا
في الساعة العاشرة
من صباح يوم
الاثنين:
22/ذوالقعدة 1436هـ
= 7/سبتمبر 2015م)
أبو
أسامة نور
nooralamamini@gmail.com
* *
*
مجلة
الداعي
الشهرية
الصادرة عن
دار العلوم ديوبند
، ربيع الأول 1437
هـ = ديسمبر 2015م –
يناير 2016م ،
العدد : 3 ،
السنة : 40